طمية حائل واسطورة العشق الخالد في شبه الجزيرة العربية

ارتبط الانسان منذ نشأته على الكوكب الارضي بالطبيعة من بحار وجبال وانهار وحدائق وحيوانات ، وخلد سر بقائه ومحافظته على نوعه البشري بالحب ، وارتبط هذا الحب ايضا بالطبيعة .

وبين الحب والطبيعة نسجت الاخيلة مئات الاساطير التي لا تزال تتداولها الناس وهي تعيش عصر التكنولوجيا الفائقة والمعلومات اللانهائية .

فقد وجد انسان عصرنا الحالي في الطبيعة وأساطيرها ملاذا آمنا يفر اليه من وحشية عصرنا المادي، فأخذه الحنين اليها وساح في دروبها كلما سار بجوار شجرة أوجبل له ذكرى او اسطورة فيقعد بجواره ليتسجمع شتات نفسه ويتنفس نفسا عميقا وكأنه يخرج من عالمه الى عالم ما وراء الطبيعة .

قد يفسر ذلك بقاء الاساطير خالدة عبر التاريخ البشري تتنقلها الأجيال  ولاتمحو تصاريف الدهور وتقلباتها وعلومها وحضارتها المتنوعة .

هذه المعاني هاجت بحارها بداخلي عندما شاهدت صور جبل طمية واسطورته مع جبل القطن بمنطقة حائل بالمملكة العربية السعودية باعتبارهما رمزا خالدا للعشق بين الجبال ، ومادة خصبة يتسامر حولها أهل البادية كقصص الف ليلة وليلة قديما.

ولطالما كان جبل طمية ملهما للعاشقين فهو ايضا كان ولا يزال مهلما للشعراء والمبدعين في لغة الضاد. وبقدر هذه القيمة الثقافية، فان قيمته الاثرية جعلت منه أحد المواقع الطبيعية النادرة في العالم، يقصده السياح من مشارق الأرض ومغاربها للتمتع بمناظره الخلابة .

فجبل طمية الواقع الآن جنوب عقلة الصقور ارتبط بمقلع طمية ،و هو عبارة عن حفرة كبيرة تقع بالقرب من أم الدوم (فوهة الوعبة) تسمى مقلع طمية وقد تناولها العديد من الشعار في أشعارهم بل ودونها الكثير من الكتاب في كتبهم .

وتعد فوهة الوعبة أو (مقلع طمية) أعمق فوهة في المملكة، وثاني أوسع فوهة بعد فوهة «هرمة» شرق المدينة المنورة، وتقع الوعبة في الطرف الغربي لحرة كشب في أقصى الشمال الشرقي لمحافظة الطائف.

المناظر الطبيعية الخلابة التي تجذب السياح والسكان معا تتشكل حول هذه الفوهة التي تكسوها  أشجار الدوم و النخيل، النباتات والاعشاب المختلفة التي تنمو وحدها ، كما يوجد في أسفل الحفرة أعشاب صحراوية، وأشجار الأراك التي تكوّن مشهداً بديعاً بمجاورتها لبعضها البعض، وكلما اتجه الزائر نحو مركز الحفرة تقل الأعشاب والأشجار بشكل تدريجي وصولاً إلى المنطقة الملحية ذات اللون الأبيض، كما يوجد في أسفل الحفرة شلالاً صغيراً تشكّل بسبب الأمطار.

وعلميا فان الخبراء يصفون هذه الفوهة بأنها فوهة بركانية، نتج عنها منخفضات حوضية نتيجة ثوران بركاني انفجر من جوف الأرض إلى سطحها، وتكوَّنت الفُوَّهة نتيجة انهيار الطبقة غير الصلبة من التربة.

الاسطورة ورمزية العشق

تحكي هذه الأسطورة ، كما أوردها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان ،وأوردها المؤرخ الشيخ محمد بن ناصر العبودي في كتابه «معجم بلاد القصيم»، أن جبل طمية كان في القديم من جبال المدينة المنورة وفي إحدى الليالي لمع البرق فرأى من خلاله جبل قطن وهو جبل أحمر يقع قريبا من عقلة الصقور فهامت بحبه وجاءت لتتزوج به فوجد جبل عكاش وهو جبل اسود صغير قريب من موقعها الحالي فتزوجت به ثم ولدت جبلا صغيرا اسود يقال له ديم لا يزال بهذا الاسم وبعد ذلك ركب قطن هضبة حمراء تسمى البكرة وجاء طمية بعد أن انفصلت عن عكاش.

يقال ان طمية جبل انثى كان في منطقة ام الدوم في الحجاز ولونها اسود محمر وانها عشقت جبل اسمه “قطن” لونه ابيض مصفر ومن شدة عشقها له انقلعت من مكانها ويسمى موقع قلعها بمقلع طمية او كشب وانها طارت متجهة الى عقلة الصقور وفي طريقها كان يسقط حجارة الى ان وصلت لمنطقة وفي طريقها إليه رآها جبل آخر يدعو عكاش وبسبب الغيرة من قِطَنْ أرسل عليها رمحه (وان عكاش تمكن من إسقاطها على الأرض قبل ان تصل قِطَنْ).

العجيب في الأمر ان الكثير من سكان هذه المنطقة يكادون يصدقون هذه الاسطورة معلين ذلك بأن نفس النباتات التي تنبت في حرة كشب هي الموجودة في جبل طمية وهي نباتات لا تنبت في منطقة نجد وهذا هو السبب الذي جعل البعض يصدق هذه الاسطورة.

وجرت ” طمية ” على ألسنة الشعراء للاستدلال على شدة العشق ومنها هذا البيت الشعري :

الهوى مـن قبلنـا شـدد طميـه * ضلعة من كشب أحالة يم اباني

واخر يقول:

الهوى قدامنا شوق طميـة يوم لاحلها قطن والدار خالي

وعرفت ” طمة ” أيضا في الشعر الجاهلي كما في معلقة امرؤ القيس هذا البيت :

كأن طميّة المجيمـر غـدوة * من السيل والاغثاء فلكة مغزل

وظل جبل طمية وعكاش لهذا التزواج بين الذكر والانثي  ، وقالت العرب فيهما :

تزوج عكاش طمية بعدما ** تأيم عكاش وكاد يشيب

وعادت “طمية” للحضور على السنة شعراء العصر الحديث ، حيث ضمنها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، في احدى قصائده يقول فيها :

انتزع قلبي مثل نزعة طمية

يوم هز العشق راسية الجبال

ساقها سوق المبشر للمطية

لين عاشت مع قطن حلم الليالي.

وخلدت اسطورة طمية  في تجسديها لمعاني العشق ، ولهذا ارتبط بها سكان هذه لمنطقة لانها ترمز للجوانب الاجتماعية والثقافية والانسانية فالعشق ينبع من قلب المرأة اتجاه الرجل ، ، كما تعكس هذه الأسطورة قدرة المرأة على التعبير عن مشاعرها واتخاذ قراراها بنفسها كما في الجبل الانثي طمية .

ويرصد البعض في هذه الاسطورة ملمح ثقافي واجتماعي  يعبر عن ثقافة سكان  هذه المنطقة ، ممثلا في اعتراض طريق حب المرأة لرجل آخر من قبل ابن عمها ، باعتبار أن ابن العم هو أحق فيها من غيره، لذلك ظهر دور عكاش الذي رماها برمحه ومنعها من الذهاب إلى عشيقها قطن.

فقصة عشق جبل مؤنث لجبل آخر مذكّر، تناقلها كتاب كتاب معجم البلدان، بوصفها اسطورة ذات بعد تاريخي عميق .

ومهما كانت الجوانب الثقافية والابعاد الاجتماعية لهذه الاسطورة الي انها تبقى  من وجهة نظري ، رمزا للعشق الانساني ، وعشق الطبيعة ذاتها لذاتها ، وان هذه الطبيعة ما كانت لتسرق نظرنا بجمالها الآخاذ لولا هذا العشق الكامن فيها ، وان هذا العشق هبة الهية وهبها الخالق بديع السموات الارض لكل مخلوقاته ، ويستشعر هذه الهبة وهذا العشق فقط من كان له قلب يبصر به بديع صنع الله تعالى وتجلياته في خلقه جميعا .


Posted

in

,

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *